قرار أوباما التاريخي- هل يغير ترمب مسار السلام في الشرق الأوسط؟
المؤلف: طلال صالح بنان08.07.2025

في ختام ولايته الرئاسية التي امتدت لفترتين متتاليتين، حقق الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنجازاً بارزاً يتمثل في تمرير قرار من مجلس الأمن يدعو إلى الوقف الفوري للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتبر إقامة المستوطنات عملاً غير قانوني. هذا القرار لم يكن يهدف إلى استرضاء الفلسطينيين أو العرب، ولم يكن موجهاً لإغضاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، بل كان بالأساس تجسيداً لالتزام الولايات المتحدة الراسخ بمواقفها الثابتة على مدار أكثر من نصف قرن، والتزاماً بقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في نوفمبر 1967، الذي يؤكد على مبادئ القانون الدولي الراسخة التي تحظر احتلال أراضي الغير بالقوة، وتعتبر الحرب وسيلة غير شرعية لإحداث تغييرات في الحدود بين الدول.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال الاعتبارات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة عند تحليل هذا القرار غير المسبوق لإدارة أوباما، والذي يأتي بعد اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل في عام 1978، والتي أعقبتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979. في ذلك الوقت، كان هناك تفاهم ضمني بين إسرائيل والولايات المتحدة يقضي بمواصلة واشنطن تقديم الدعم السياسي لتل أبيب، خاصة في مجلس الأمن؛ وذلك بهدف تشجيع إسرائيل على المضي قدماً في العملية السلمية، والسعي إلى تحقيق سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين، لم تتردد الولايات المتحدة في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يصدر من مجلس الأمن يشير إلى إدانة إسرائيل بأي شكل من الأشكال على أي عمل تقوم به، قد يُفسر على أنه تهديد للسلم والأمن الدوليين، أو حتى مجرد لوم إسرائيل على انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، أو إدانتها لإقامتها المستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد التزمت الولايات المتحدة بنص قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 طوال ما يقرب من نصف قرن، وامتنعت عن المشاركة في أي جهد استيطاني تقوم به إسرائيل في الأراضي المحتلة. وحتى الآن، ترفض الولايات المتحدة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، على الرغم من أنها قامت ببناء سفارة جديدة في القدس، وكانت من بين الدول القليلة التي اعترفت بضم إسرائيل للقدس الشرقية العربية في عام 1980، واعتبرت القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل. ومع ذلك، فإن كل رئيس أمريكي منذ ذلك الحين يؤجل قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كل ستة أشهر. إن الامتناع عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، من وجهة نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1995، يمثل التزاماً بمبدأ عدم الاعتراف باحتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة، ويبطل عملياً وقانونياً اعتراف واشنطن بأن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل الموحدة، وهو الاعتراف الذي أملته اعتبارات داخلية..
وبالتالي، يبقى ذلك الاعتراف ضمن إطار الالتزام السياسي الثنائي بين البلدين، بدعم إسرائيل، ولا يتجاوز ذلك.
لكن يبدو أن هذا الوضع، الذي يتسم بالتضارب السياسي والالتزام القانوني والأخلاقي في موقف الولايات المتحدة من قضية الأراضي العربية المحتلة في حرب الأيام الستة (5-10 يونيو 1967)، بما في ذلك القدس الشرقية العربية، لن يستمر على ما هو عليه. إذ إن هناك قادمًا جديدًا إلى البيت الأبيض في الشهر المقبل، لم يخفِ نيته المبيتة في تجاهل التزامات الولايات المتحدة تجاه قضية السلام في الشرق الأوسط. فالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أكد طوال حملته الانتخابية أنه سيقوم باتخاذ وتنفيذ قرار لم يتخذه أي رئيس أمريكي قبله، على مدار خمس دورات رئاسية متتالية لأكثر من 20 عاماً، وهو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس!؟ حتى أنه قلل من شأن قرار مجلس الأمن الأخير، قائلاً: "الأمور ستختلف تماماً في الشهر القادم".
بغض النظر عما يدور في ذهن الرئيس القادم للولايات المتحدة من مواقف ومفاجآت للأمريكيين والعالم، وخاصة فيما يتعلق بالقضية التي تناولها مجلس الأمن في قراره الأخير يوم الجمعة الماضي، الذي حظي بأغلبية ساحقة وسمحت إدارة الرئيس أوباما بتمريره، على الرغم من مناورات إسرائيل وضغوط الفريق الرئاسي الجديد الذي يعتزم السيد ترامب أن يقود دفة السياسة الخارجية الأمريكية في عهده، باستخدام الفيتو الأمريكي ضد القرار، وعلى الرغم من مناورة تأجيل التصويت على القرار التي قام بها المندوب العربي في مجلس الأمن، إلا أن القرار طُرح للتصويت وتم تمريره، مما يمثل سابقة خطيرة في التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن.
إن خطط الساكن الجديد في البيت الأبيض، وإن كانت تهدف إلى تقويض إرث الرئيس باراك أوباما الداخلي الليبرالي والاقتصادي، إلا أنه لن يتمكن من تجاوز إرث أوباما في أخطر قضية تهدد سلام العالم وأمنه، وهي قضية السلام في أرض الرسالات.
وعلى الرغم من إخفاقات سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما الخارجية تجاه الأزمات التي عصفت بالمنطقة، وخاصة في سوريا، إلا أن قرار إدارته الشجاع لنصرة السلام في المنطقة، والذي تجلى في تمرير قرار مجلس الأمن الأخير الداعي إلى وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرار اعتبار احتلال إسرائيل للأراضي العربية عملاً غير قانوني يعيق التوصل إلى سلام حقيقي في الشرق الأوسط، يؤكد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية بشأن التعامل مع قضية الشرق الأوسط، على الرغم من محاولات العبث التي يقوم بها أعداء السلام من الصهاينة والمتصهينين من كل صنف وشاكلة بمصير السلام في أرض السلام. إن الإدارة الأمريكية القادمة لن تستطيع تفعيل قرار نقل السفارة الأمريكية في تل أبيب بالسهولة والثمن الذي عليها أن تدفعه، وواشنطن لتوها جددت التزاماتها بثوابت تشبثت بها لمدة 50 عاماً.
إن موقف الرئيس أوباما هذا يثبت استحقاقه لجائزة نوبل للسلام التي فاز بها في بداية ولايته، بل وربما يرشحه للحصول عليها مرة أخرى.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال الاعتبارات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة عند تحليل هذا القرار غير المسبوق لإدارة أوباما، والذي يأتي بعد اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل في عام 1978، والتي أعقبتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979. في ذلك الوقت، كان هناك تفاهم ضمني بين إسرائيل والولايات المتحدة يقضي بمواصلة واشنطن تقديم الدعم السياسي لتل أبيب، خاصة في مجلس الأمن؛ وذلك بهدف تشجيع إسرائيل على المضي قدماً في العملية السلمية، والسعي إلى تحقيق سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين، لم تتردد الولايات المتحدة في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يصدر من مجلس الأمن يشير إلى إدانة إسرائيل بأي شكل من الأشكال على أي عمل تقوم به، قد يُفسر على أنه تهديد للسلم والأمن الدوليين، أو حتى مجرد لوم إسرائيل على انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، أو إدانتها لإقامتها المستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد التزمت الولايات المتحدة بنص قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 طوال ما يقرب من نصف قرن، وامتنعت عن المشاركة في أي جهد استيطاني تقوم به إسرائيل في الأراضي المحتلة. وحتى الآن، ترفض الولايات المتحدة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، على الرغم من أنها قامت ببناء سفارة جديدة في القدس، وكانت من بين الدول القليلة التي اعترفت بضم إسرائيل للقدس الشرقية العربية في عام 1980، واعتبرت القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل. ومع ذلك، فإن كل رئيس أمريكي منذ ذلك الحين يؤجل قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كل ستة أشهر. إن الامتناع عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، من وجهة نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1995، يمثل التزاماً بمبدأ عدم الاعتراف باحتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة، ويبطل عملياً وقانونياً اعتراف واشنطن بأن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل الموحدة، وهو الاعتراف الذي أملته اعتبارات داخلية..
وبالتالي، يبقى ذلك الاعتراف ضمن إطار الالتزام السياسي الثنائي بين البلدين، بدعم إسرائيل، ولا يتجاوز ذلك.
لكن يبدو أن هذا الوضع، الذي يتسم بالتضارب السياسي والالتزام القانوني والأخلاقي في موقف الولايات المتحدة من قضية الأراضي العربية المحتلة في حرب الأيام الستة (5-10 يونيو 1967)، بما في ذلك القدس الشرقية العربية، لن يستمر على ما هو عليه. إذ إن هناك قادمًا جديدًا إلى البيت الأبيض في الشهر المقبل، لم يخفِ نيته المبيتة في تجاهل التزامات الولايات المتحدة تجاه قضية السلام في الشرق الأوسط. فالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أكد طوال حملته الانتخابية أنه سيقوم باتخاذ وتنفيذ قرار لم يتخذه أي رئيس أمريكي قبله، على مدار خمس دورات رئاسية متتالية لأكثر من 20 عاماً، وهو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس!؟ حتى أنه قلل من شأن قرار مجلس الأمن الأخير، قائلاً: "الأمور ستختلف تماماً في الشهر القادم".
بغض النظر عما يدور في ذهن الرئيس القادم للولايات المتحدة من مواقف ومفاجآت للأمريكيين والعالم، وخاصة فيما يتعلق بالقضية التي تناولها مجلس الأمن في قراره الأخير يوم الجمعة الماضي، الذي حظي بأغلبية ساحقة وسمحت إدارة الرئيس أوباما بتمريره، على الرغم من مناورات إسرائيل وضغوط الفريق الرئاسي الجديد الذي يعتزم السيد ترامب أن يقود دفة السياسة الخارجية الأمريكية في عهده، باستخدام الفيتو الأمريكي ضد القرار، وعلى الرغم من مناورة تأجيل التصويت على القرار التي قام بها المندوب العربي في مجلس الأمن، إلا أن القرار طُرح للتصويت وتم تمريره، مما يمثل سابقة خطيرة في التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن.
إن خطط الساكن الجديد في البيت الأبيض، وإن كانت تهدف إلى تقويض إرث الرئيس باراك أوباما الداخلي الليبرالي والاقتصادي، إلا أنه لن يتمكن من تجاوز إرث أوباما في أخطر قضية تهدد سلام العالم وأمنه، وهي قضية السلام في أرض الرسالات.
وعلى الرغم من إخفاقات سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما الخارجية تجاه الأزمات التي عصفت بالمنطقة، وخاصة في سوريا، إلا أن قرار إدارته الشجاع لنصرة السلام في المنطقة، والذي تجلى في تمرير قرار مجلس الأمن الأخير الداعي إلى وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرار اعتبار احتلال إسرائيل للأراضي العربية عملاً غير قانوني يعيق التوصل إلى سلام حقيقي في الشرق الأوسط، يؤكد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية بشأن التعامل مع قضية الشرق الأوسط، على الرغم من محاولات العبث التي يقوم بها أعداء السلام من الصهاينة والمتصهينين من كل صنف وشاكلة بمصير السلام في أرض السلام. إن الإدارة الأمريكية القادمة لن تستطيع تفعيل قرار نقل السفارة الأمريكية في تل أبيب بالسهولة والثمن الذي عليها أن تدفعه، وواشنطن لتوها جددت التزاماتها بثوابت تشبثت بها لمدة 50 عاماً.
إن موقف الرئيس أوباما هذا يثبت استحقاقه لجائزة نوبل للسلام التي فاز بها في بداية ولايته، بل وربما يرشحه للحصول عليها مرة أخرى.